دوّنت مراسلة وكالة أنباء هاوار جيهان بلكين بعض مذكراتها قبل ساعات من الاستهداف في 19 من كانون الأول. نود مشاركتها عبر وكالتنا. وهي كالتالي:
"اليوم، مرة أخرى، تكذب وسائل الإعلام التركية وتنشر أخباراً مضللة حول سيطرتها على سد تشرين. أنا وناظم الآن على جسر قرقوزاق. تشهد المنطقة في هذه الأثناء تحركات مكثفة لمسيّرات الاحتلال التركي. المقاتلون في المنطقة يحذروننا من عدم التحرك أثناء تحليق المسيّرات، حيث تكون المنطقة خطرة. ويقولون: "نعم، أنتم صحفيون، ولكن في المحصلة، الأخبار التي تعدّونها تكشف الأقنعة عن وجوههم. لذلك، أنتم ستستهدفون. لا تتحركوا من أماكنكم".
قبل أيام قتل جيش الاحتلال التركي 12 امرأة وطفلاً أمام أعيننا في عين عيسى، لماذا يقتلون؟ يحذرون بهذه الكلمات، فهل نستطيع أنا وناظم أن نقف في مكان ونغطي أعيننا حيال التضليل والأكاذيب التي تلفقها تركيا؟ بالتأكيد لا! إذ يقول ناظم للمقاتلين بابتسامة خجولة تبرز تعابير وجهه: معك حق، يجب أن نحمي أنفسنا، وما قاله ناظم يوضح أننا "لا نستطيع أن نقف صامتين"، ولكن نهجي واضح! لأن ضميري لا يتقبل المشاهد التي تراها عيني. أنا هنا وأمارس عملي كصحفية، وكان بإمكاني أن أدرس في جامعة دجلة وأصبح محامية. وكان يمكنني أن أبني حياتي وفقاً لما سنح لي، وأقبل على نفسي حياة اعتيادية، ولكنني لم أقبل بهذا، لأنني وهبت نفسي لتنوير المجتمع وجئت إلى هنا. لذلك، مهما كانت المحصلة، سأعدّ أخباري. فهذا هو معنى حياتي.
أصدقائي في الوكالة، حرصاً منهم على سلامتي، لم يحبذوا قدومي إلى منبج، ولكنني صحفية حربية، ويتوجب عليّ أن أكون في مكان الحدث وأتابع خطوة بخطوة. وإلا فما الفرق بيني وبين الذين يجلسون خلف الطاولات ويلفقون الأخبار الكاذبة والمضللة ويؤلفون سيناريوهات مفبركة؟ هؤلاء الصحفيون المزيفون.
إلى جانب ذلك، فإن أرض منبج وتشرين وقرقوزاق وعين عيسى وأهلها، عندما تحرروا من ظلم داعش، شاركت فرحة النساء هناك. رأيت الحرية في أعينهم، وقد امتلأت بذكريات النساء اللواتي كن يعاملنني كأخواتهن ويحدثنني عما عاشوه خلال فترة داعش وما ارتكبه بحقهن. احتسيت الشاي والقهوة مع أشخاص لا أعرفهم، وأصبحت جزءاً من قصتهم، وأضفت قصصاً رائعة إلى قصتي. وقلت بين نفسي: "دعي كل هذا، ففنجان القهوة يحفظ المودة أربعين عاماً."
أرى مدى حرص المقاتلين الشبان على تحقيق النصر، وبنظرات مشرقة. قد لا يكونوا هنا بعد ساعة، ربما لم يحدث لهم شيء على الإطلاق. لا أعلم! كل ما كان يلمع في أعينهم يوحي لنا بحماستهم واندفاعهم لبناء الحياة الحرة التي يطالبون بها، ويعلموننا: "لا تكون الحرية دون تضحية." فما دامت الحرية تحتاج إلى تضحية، فعليّ تقبل هذا الأمر وأواصل عملي، واتجهت إلى تشرين.
أنا في منطقة تشرين الآن حيث جميع الأنظار تتجه إلى هنا. إنهم يلفقون الأخبار الكاذبة، وسأنضم إلى البث المباشر وستسقط أقنعتهم، وسأهدئ قلوب الأمهات. هناك، على السد، تكتب تركيا قصصاً بطولية مزيفة، وسأسرد الحقيقة واحدة تلو الأخرى عبر البث المباشر.
أنا متأكدة أنه عندما يراني المقاتلون أتحدث من هنا، ستتألق أعينهم أكثر وستكون أمهات هؤلاء المقاتلين فخورات بالحليب الذي أرضعوه لأبنائهم. يجب أن أحيي ذلك.
أفكر ملياً، فعندما أكون في البث، هل ستشاهدني والدتي؟ لا أعلم لماذا أتذكر والدتي دائماً اليوم. في محادثتنا الأخيرة، كانت حزينة جداً. مرة أخرى، الميليشيات التركية توجهت إليهم وهددتهم وأرعبتهم، واقتادوا أبي إلى مكان مجهول، رغم أنه قال لهم: "أنتم تعلمون جيداً أين جيهان، وهي تمارس الصحافة، لماذا تضغطون علينا؟" وأخذ نصيبه من قسوة الطغاة، وأخافوه بتهديدات كثيرة وأطلقوا سراحه. وقلت لها باختصار: "مهما فعلوا فلن أتراجع عن طريقي!"
بالنسبة للمرأة، شعرها هو كل شيء. فنظراً للظروف الصعبة التي نمر بها هنا، لم أتمكن من اغتسال شعري وتمشيطه، فلم يسنح لي الفرصة منذ مجيئي إلى هنا. ولكن أمي كانت تمشط شعري بعناية وتصففه برفق، وكانت تقول لي: "جيهانتي، قرة عيني وفلذة كبدي، عزيزتي." وبهذه الكلمات كانت تصفف شعري، وكانت تقول: "اليوم سأطهو لابنتي المدللة الكبة باللحمة التي تحبها." بالواقع، كانت أمي تعد الكبة بطريقة ماهرة وشهية. منذ عام 2017، لم أتناول من أطباقها الشهية. فأثناء عودتي من المدرسة، كنت أشم رائحة أطباق أمي من جانب الآخر من الطريق. كم أشتاق لها ولطعامها! لم تتح لي الفرصة لتناول الطعام بسبب ضغط العمل اليوم، ربما هذا هو سبب تفكيري الزائد بها.
انتهينا من البث المباشر في سد تشرين اليوم، وقطعت عهداً عبر شاشة التلفاز أن أشاركهم بكل حدث عبر البث الحي، ولكن علينا العودة، مرة أخرى. المقاتلون ينبهوننا بخطر المسيّرات. ولكن ينبغي علينا العودة لأننا صحفيون، يجب علنيا مواصلة عملنا في أحلك الظروف، ولكي نختصر عناء الطريق ونتبع طريقاً مختصراً حتى نصل بشكل أسرع إلى قرقوزاق.
مهما حدث، أعلم شيئاً واحداً وأؤمن به وأكون سعيدة به، أنني في أعماقي إنسانة صالحة. أظهرت هذا الجانب في جميع مناحي حياتي، فلم أبخل عن منح الحب للآخرين، وزرعت الابتسامة والحب في قلوب الجميع، وأتمنى الخير للجميع والمرح أيضاً.
هناك شيء آخر يسعدني اليوم، وهو تردد الأنباء حول استمرار اللقاءات مع القائد عبد الله أوجلان! فالقائد، رغم جميع الصعاب، يجد الطريق المناسب للشعب الكردي. فعندما جئت وسألني أصدقائي ماذا سيحدث، تنبأت بأن أشياء جميلة ستحدث للشعب الكردي، وأنا متأكدة من أعماق قلبي. صحيح أننا نشهد هجمات الآن، ولكن القائد عبد الله أوجلان قادر على حل جميع المشكلات بقوته السياسية والفكرية.
الساعة الآن الثالثة عصراً، وإذا بقينا هنا لفترة أطول سنتأخر، وناظم أيضاً أنهى عمله. فعلى رغم الصعاب، يجب أن نرى طريقاً ونرحل من هنا. فعندما تختار مساراً، يجب أن تدفع ثمن ذلك. نحن المسار ومسارنا مشترك! قد نواجه العقبات، ولكن هناك دائماً من يسلك مسارنا. قد نصل أو لا نصل أبداً، فكما يقول شعراؤنا: "فالصباحات المشرقة تحل بنا أو بدوننا."